إن الناظر فيما يحدث في مصر وسوريا وليبيا وتونس والسودان والعراق واليمن وغيرها من ثورات وتقلبات سياسية يدرك بعين اليقين أنها سنن الله الكونية. فقد أخبرنا الله عز وجل على لسان رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان ستحدث حرب بين المسلمين واليهود، تدور الدائرة فيها أولا على المسلمين، ثم يتداركوا فرقتهم ويجمعوا كلمتهم، ويقاتلوا اليهود ويتغلبوا عليهم، حتى يقول الحجر والشجر: «يا عبدالله يا مسلم، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله». والناظر في حال مصر في السنوات والعقود الثلاثة الماضية ما كان ينتظر قرب ذلك؛ لأن الرئيس المصري السابق كان يرى في السلام مع إسرائيل خيارًا إستراتيجيًّا لا يمكن العدول عنه، ولم تكن الحرب مع إسرائيل مطروحة، ولم تكن كذلك السياسة الخارجية تنبئ بها، ولكن شاء الله أن تقوم الثورة المصرية العظيمة ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لتتغير القيادة في مصر، مصر التي هي قلب الأمة وعقلها، ويتغير النظام ويئول لرجل لم يترشح للرئاسة من نفسه، ولم تحدثه نفسه فيما نظن بالترشح، وإنما رشحه غيره، وتشاء إرادة الله الغالبة أن تسوق المصريين لانتخابه واختياره رئيسًا؛ ليقود حلقة من سنن الله الكونية، وهي حلقةُ تغيُّرِ النظر إلى العلاقة مع إسرائيل، والتصريح بأن معاهدة السلام ليست قرآنا يتلى ويتعبد به، وإنما يمكن أن تخضع للنظر والمراجعة. وهذه هي البداية. وكذلك ما يحدث في سوريا، والتي تمثل مع مصر أهم دول المواجهة مع العدو الصهيوني. ولذلك فنحن نوقن أن الثورة السورية منتصرة منتصرة، وأن المسألة ما هي إلا وقت حدده الله لانتصارها، ولكنه تمحيص الله للسوريين؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم. ولذلك أيضًا نحن نؤمن إيمانًا لا يداخله الشك أن النموذج الإسلامي المصري سينتصر لا محالة، وإنما المسألة كما قلت تمحيص وتخليص؛ لأنها سنة الله في كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا. وكذلك ما حدث ويحدث في ليبيا وتونس اللتين تعتبران امتدادًا طبيعيًّا وجغرافيًّا لمصر من الجهة الغربية، والسودان وبخاصة شماله الذي يمثل بنظامه الإسلامي غصة في حلق أمريكا التي تحاول أن تقضي عليه. والسودان هو امتداد أيضًا لمصر من جهة الجنوب. وما كان تقسيم السودان إلا حلقة في هذا الإطار الذي قدره الله للناس. وكذلك ما يحدث في العراق التي هي ردء وظهير لسوريا حين يحين الوقت. وفي هذا السياق أيضًا أقرأ زيارة الرئيس المصري محمد مرسي لطهران منذ أشهر قليلة، وزيارة الرئيس الإيراني لمصر، وما التقيا فيه من مصالح مشتركة تدعم القوة الإسلامية. إن حدوث كل تلك الأحداث المتلاحقة لهو تحقيق واضح لسنن الله الكونية التي أنبأنا بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، ولا تبديل لخلق الله. وما المشكلات التي تواجه مصر وسوريا وتونس وليبيا والعراق والسودان إلا تجهيز وتمحيص لهذه الشعوب، وإعداد لها للمرحلة التالية التي لن تكون سهلة أبدا. إن المسلم يعيش في هذه الدنيا ويرى الأحداث والتغيرات في شعوب هذه المنطقة وغيرها من بقاع الأرض، وهو ينظر بنور الله، ولا يعتمد على نظره القاصر، وإنما يستلهم الوحي من نصوصه التي يؤمن بها، ويرى أنه يؤدي رسالته في الحياة بما شرعه الله عز وجل له ووفق مراده سبحانه، ويعلم أن كل شيء إنما يجري بقدر الله تعالى الذي لا يتغير ولا يتبدل أبدًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. إن ما بقي من عمر الدنيا إنما هو قليل، والله سبحانه أعلم بكم بقي لها، ولكننا نرى من علامات الساعة ما يتحقق أمام أعيننا، ونحن نؤمن به، ولا يخالجنا الشك طرفة عين في تحققه ... ونحن نستبشر بدعوات الرئيس المصري للوحدة وجمع كلمة المسلمين، ونستبشر وننتظر انتصار الثورة السورية التي أبى الله إلا أن يمحصها قبل التمكين لها. ونستبشر أيضا بما حدث في تونس وليبيا واليمن. ونرى في حفظ الله للمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين آية من آيات الله، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾. إنها سنن الله في كونه التي لا تتبدل ولا تتغير؛ فآمنوا خيرًا لكم.
د/ هشام يسري العربي
نجران في 8/2/ 2013م